Syedna Nasir Hakimuddin Khusro (RA)

ناصر خسرو البلخي؛ البارز في ادب الرحلات

يوسف عزيزي (طهران)

شهدت الحضارة الاسلامية و في ذروتها، رحلات لادباء و علماء و جغرافيين غادروا ديارهم و جازفوا بارواحهم ليسيروا في اطراف الارض و اكنافها ليكشفوا عن المجهول ، خدمة للعلم و المعرفة.

فالكتب التي الفها ابن جبير و ابن بطوطة و ياقوت الحموي و الادريسي و ابوريحان البيروني و ناصر خسرو البلخي و سعدي الشيرازي ليست الا النزر اليسير من الكثير. اذ تحوي كتب هؤلاء الرحالة ، على معلومات جغرافية و تاريخية و سوسيولوجية و ادبية لم تستغني عنها اليوم اية مؤسسة علمية او موسوعة جغرافية في العالم بسبب دقتها و اهميتها العلمية.

لاشك بان الحضارة المتقدمة و المزدهرة هي التي تنتج مثل هؤلاء الرحالة و العلماء و الادباء حيث انمحى اثرهم عقب الانحطاط التي اصاب الحضارة العربية – الاسلامية. وقد خلفت الحضارة الغربية، الحضارة الاسلامية، بعد النهضة الفكرية التي شهدتها الحضارة الاوروبية في القرنين السادس عشر و السابع عشر الميلاديين. وقد قام الرحالة الاوروبيين ومنذ القرن الثامن عشر بالسير في الشرق و خاصة في العالمين العربي و الاسلامي حيث اصبحت الكتب التي كتبوها في هذا المجال مصادر هامة للتعرف على اوضاعنا الاجتماعية و السياسية الجغرافية في العصر الحديث.

ويكمن سر الرحلات القديمة المكتوبة بالفارسية او العربية ليس في اهمية معلوماتها بل وفي فخامة لغتها و سلاسة نثرها حيث كان الكاتب – الرحالة يكتب ملاحظاته و خبراته بلغة جميلة نابضة بالحياة و هذا ما يميزه عما يكتبه اليوم بعض الصحفيين عن البلدان التي يزورونها بلغة صحفية ركيكة سريعة الاستهلاك.

كما هناك فرق ايضا بين الرحلات القديمة نفسها حيث اذا قارننا كتاب “ماللهند” للبيروني مثلا – رغم اهميته العلمية – مع كتاب رحلة ناصر خسرو او مع “غولستان” سعدي الشيرازي و هو مجموعة حكايات معظمها ترتبط برحلاته العديدة؛ فاذا قارننا هذه الكتب نرى ان الاثنين الاخيرين هما الاكثر رواجا بين فئات الشعب المختلفة و السبب يكمن في اختلاف النثر و اللغة بين هذه الكتب الثلاث حيث يعبئ شخص كناصر خسرواو سعدي الشيرازي، مفرداته بشحنة عاطفية قوية، فيما يعامل البيروني الالفاظ كمواد علمية صلبة غير منعطفة.

وتنشأ اهمية “رحلة” ناصر خسرو من انها مصدر جغرافي و تاريخي و علم اجتماعي ليس للايرانيين فحسب بل للعرب و الغربيين ايضا. وهاهي الموسوعات البارزة كموسوعة فلسطين و الموسوعة البريطانية و الموسوعة الفارسية اللواتي ينهلن من معلومات هذه الرحلة القيمة. كما وانها منهل للالفاظ و المفردات الفارسية. وقد ابدى ناصر خسرو ابداعا و براعة في معرفة البلدان و المدن التي زارها و منها آسيا الصغرى – تركيا الحالية – و لبنان و الشام و مصر و الحجاز و العراق و الاهواز و سائر المناطق الايرانية. وقد ركز ناصر خسرو على معرفة العمارة و المواقع الاثرية و الطبيعية بل و السيكولوجية الاجتماعية للشعوب التي زارها في رحلته المعروفة في القرن الرابع الهجري.

فيقول مثلا حول مدينة تبريز الايرانية :” مدينة، عامرة، قست طولها و عرضها بقدمي، كان كل واحد منهما الف و اربعمائة قدم“. او انه يعطينا معلومات دقيقة حول مسجد الاقصي وساحته و سقفه و اعمدته حيث تنقلها وبعد 11 قرنا الموسوعة الفلسطينية لتشرح لنا مميزات المسجد و وضع مدينة القدس انذاك.

يقول ناصر خسرو في قسم من رحلته:”عند وصولنا البصرة كنا متعبين ، شبه عرايا،كالمجانين حيث كنا لم نفتح شعر رؤوسنا منذ ثلاثة اشهر. فقررنا ان ندخل حماما للتدفئة حيث الطقس كان باردا ولم نرتد الكساء ، فكل ما في الامر هو ازارين عتيقين كنا نرتديهما انا و شقيقي و رقعتي قماش تحفظ اقفيتنا من البرد. فتساءلت: من الذي يسمح لنا للدخول الي الحمام في هذه الحالة ؟ و كان لي خرجا صغيرا احتفظ بكتب فيه؛ فبعته و حصلت علي بضعة دراهم سوداء لفيتها في ورقة لاعطيها الي صاحب الحمام لربما يسمح لنا بالبقاء مدة اكثر في الحمام كي ندفع الوسخ من اجسادنا. فعندما اعطيته الدارهم حدق بنا متصورا باننا مجانين“.

فهي بالتاكيد تجرية شاقة وصعبة ترافقت مع هذه الرحلة التي قطع فيها الشاعر والداعية و الرحالة ناصر خسرو، مئات الفراسخ حيث نقل هذه التجربة الثمينة بلغة شاعرية لايزال و بعد مرور عشرات القرون لم تندرس وهي في ذروة النثر الفارسي. اذ نشاهد حتي في عصرنا الحاضر كيف تاثر كتاب و روائيين بنثره السليس و الفني، وهاهو الروائي و المفكر الايراني جلال آل احمد و في القرن العشرين يجدد في النثر الفارسي متاثرا بنثر ولغة ناصرخسرو و يقدم لنا نثرا ادبيا جديدا في الادب الفارسي الحديث.

ففنية ناصرخسرو لاتكمن في شاعريته و لغته الادبية و زخرفته للالفاظ و المفردات في النص الادبي كما هو نثر الحريري او الحميدي وما لف لفهما، بل ان نصوص و دواوين البلخي تحمل في طياتها، خبرات و تجارب سربها الكاتب الموهوب في دماء النص بذكاء وبراعة خاصة به.

ويتعرض ناصر خسرو في البصرة لرجم الحجارة من قبل اطفال كانوا يلعبون في الشارع وذلك بسبب شعره الاشعث و لباسه المندرس، حيث يجلس في مكان ما و يتامل في امر الدنيا وكيف فعلت به؛ لكن و بعد ايام يراه ملك الاهواز صدفة و يعرفه و يبدي احترامه لفضله و علمه و ينقذه من تلك التعاسة.

و يقول ناصر خسرو في هذا الشان”لم تتجاوز الفترة بين هاتين الحالتين الا عشرين يوما ؛ اذ ذكرت هذا الفصل ليعلم الناس انه لايجب ان يشكو المرء اثر شدة في الحياة ولا تصيبه خيبة امل من فضل ربه و رحمته جل جلاله وهو رحمان رحيم“.

كما لابد و ان نذكر ان ناصر خسرو كان مواليا للضعفاء و معارضا للخلفاء و الاباطرة، فعليه اعتنق المذهب الاسماعيلي – الذي كان يمثل الايديولوجيا الثورية و المعارضة في عهده – و زار الفاطميين في مصر حيث اصبح داعية لهذا المذهب طيلة حياته. انتهت